
تنظر “أم رواد” لأطفالها من شرفة منزلها مراقبة لعبهم في شارع الحي المقابل، تحدق جيدا بأولادها الذين كبروا أمام أعينها وعاشوا حياتهم، ومع فرحتها التي تغمر قلبها سرورا بأولادها، لاح في ذاكرتها حياتها وهي طفلة إنها لم تعش من قبل ذاك الإحساس (فرحة الأطفال) باللعب والألعاب في شوارع الحي أو في ساحاته، وما أن أخذت أقدامها تطأ أرض الملاعب وساحات الفرح من أراجيح وغيرها من الألعاب حتى التقطها أبويها للمنزل لتصطدمها المفاجأة أنها مخطوبة لابن عمها.
لم تعلم هذه المرأة ماذا يعني أن تكون مخطوبة وببراءة الطفولة لا تعلم ،، هل يجب عليها أن تفرح أم أنها تحزن، هي اليوم عمرها (24) عاماً تقول “أم رواد” أنها تزوجت بعمر 16 عاماً من عمرها تسرد حكاية الإنسانة التي لم تعش حياتها وهي صغيرة بكل معناها وتفاصيلها، استفاقت لتشاهد نفسها عروساً وبعدها انتقلت لمرحلة الأمومة دون أن تعيش حياتها وهي طفلة.
يُعد زواج الأطفال انتهاكاً لحقوق الإنسان وتبقى هذه الممارسة واسعة الانتشار على الرغم من القوانين المناهضة لها في مجتمعاتنا العربية ويعود ذلك جزئيا لاستمرار الفقر وانعدام المساواة بين الجنسين ففي الدولة النامية تتزوج واحدة من بين كل 3 فتيات قبل بلوغها سن 18 عاما وتتزوج واحدة من بين كل 5 وهي دون 15 عاماً حسب إحصائيات أممية.
تقول” أم أحمد ” حسب ما أطلقت على نفسها: “أنا أم لـ 4 أولاد وزوجي يطلب المزيد من الأولاد لتكبر أسرتنا فهو يعشق الأطفال، حالتنا المادية جيدة جداً وأنا أحب أولادي وحياتي هذه وتأقلمت معها لكن دائماً أشعر بالحنين لمراحل الطفولة والمراهقة تزوجت وأنا صغيرة جداً لم أحظ بالوقت اللازم للعب والمرح، كم أود أن ألعب مع أولادي في ساحة الحي، وأنا في كثير من الأحيان ألعب معهم وكأنني بعمرهم”.
تتشابه كثيراً قصص الزواج المبكر ليبقى الأهل المحور الأساسي للمشكلة فهم من يدفع بفتياتهن لهذا الزواج والأسباب مختلفة، ولتترك الحرب تأثيرها على الكثير من العائلات بسبب نزوح الكثير من العائلات خارج بيوتهم وجلوسهم بمخيمات وتجمعات سكنية غريبة عليهم يسعى الكثير من الآباء لتزويج فتياتهن ظناً منهم أنهم يحافظون عليهن.
الفقر والجهل وعدم اقتناع الأهل بضرورة تعليم الفتاة لتصل لمراحل متقدمة من التعليم وصولا للجامعة، وصعوبة تأمين التكاليف المناسبة دفعت أيضا بالكثير من الأهالي لتزويج فتياتهن بأعمار صغيرة جداً وصلت بعض الزيجات لفتيات تزوجن أقل من عمر 15 عاماً الأمر الذي ترك تأثيراً سلبياً على صحة الفتيات الجسدية والنفسية تقول “ام محمد”:
“لن اكرر مأساتي التي عشتها، سأحرص على تعليم فتياتي، ولأن أزوجهم قبل أن يكملن تعليمهن وصولا للمرحلة الجامعية وبعد إتمام الجامعة يمكن أن يتزوجوا الزواج المناسب، تزوجت وعمري 14 عاماً في الحرب، أبكي ليلاً نهاراً في بداية زواجي لأنني صغيرة ولم أكن اعتدت بعد على أعباء الحياة الزوجية، كم أود إكمال دراستي ودخول الجامعة”.
جاهدت تسعى المنظمات والجمعيات الأهلية بالتخفيف من أثار الزواج المبكر بطرق عديدة من ندوات ومحاضرات تثقيفة تستهدف الأهل والعائلات وخاصة في الريف الذي ينتشر كثيراً أو حتى في التجمعات السكنية الفقيرة لكن ما فعلته الجمعية السورية للتنمية الاجتماعية في حلب، التي تتلقى دعماً من صندوق الأمم المتحدة للسكان كان باستهداف المتضررات مباشرة عبر حملة عن ((الزواج المبكر)) ومخاطره طيلة شهر أيلول حيث استهدفت هذه الحملة السيدات اللواتي يزرن مركز (أمان) بشكل دوري لتقديم المعلومات والدعم النفسي لهن ولتخفيف ما يمكن من أثار الزواج المبكر عليهن.
ومن صلب عمل صندوق الامم المتحدة للسكان العمل في مجال الصحة الإنجابية لذلك يقوم ومن خلال جمعيات المجتمع الاهلي بنشر الوعي حول الصحة الإنجابية من خلال التوعية وتوزيع المساعدات اللازمة لذلك.
تكون الفتاة في الزواج المبكر غير مُدركة لحقوقها وصحّتها الجنسيّة والإنجابيّة في عُمر لا يزال فيه جسدها في طور النمو، وعندما لا تكون مُهيّئةً بدنيّاً وعاطفياً للحمل، فإنها تُصبح عرضةً لخطر الوفاة أثناء الولادة أكثر، بالإضافة إلى الأمراض التي قد تُرافق الحامل ولا يتحمّلها جسد فتاة في عمر المُراهقة، ونظراً لتفشّي الجهل، وغياب تنظيم الأسرة، قد تتعرّض المرأة لحالات حمل مُتكرّرة تُصاحبها مُضاعفات صحيّة خطيرة.
الرادار ـ مصطفى رستم